Waters of Life

Biblical Studies in Multiple Languages

Search in "Arabic":
Home -- Arabic -- The Ten Commandments -- 02 Introduction To the Ten Commandments: God Reveals Himself
This page in: -- Afrikaans -- ARABIC -- Armenian -- Azeri -- Baoule -- Bengali -- Bulgarian -- Cebuano -- Chinese -- English -- Farsi -- Finnish? -- French -- German -- Gujarati -- Hebrew -- Hindi -- Hungarian? -- Indonesian -- Kiswahili -- Malayalam -- Norwegian -- Polish -- Russian -- Serbian -- Spanish -- Tamil -- Turkish -- Twi -- Ukrainian -- Urdu? -- Uzbek -- Yiddish -- Yoruba

Previous Lesson -- Next Lesson

الموضوع ٦ -- الوصايا العشر في خروج ٢٠
حَاجِز الله الوَاقِي مِن سُقوطِ الإِنْسَان

٠٢ -- افتِتَاحيَّةُ الوَصَايَا العَشْر: اسْتِعْلاَنُ الله



سفر الخروج ٢٠: ٢
أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ.

لا تفرض الوَصَايَا العَشْر على البشر قَوَانِيْن متصلّبة، ولا تُلزِمنا بعَقَائِد معقّدة، بل يَتَكَلَّم الله بها إلى الناس مباشرةً، فيَقترب الخالق مِن مخلُوْقَاته، ويَلتفت القُدُّوْس نحو الخطاة المذنبين.


٠١.٠٢ - شَخْصُ الله

الكَلِمَةُ الأُوْلَى في الوَصَايَا العَشْر هي: "أنا". يَتَكَلَّم الله الحيُّ إلينا بصفة شخص، وليس كَرُوح لا يمكن تعريفه، أو هديرٍ غريبٍ يُسمَع مِن بعيد. لا يَنطق بلغة غير مَفْهُوْمة، أو يَتَكَلَّم بعجائب مخيفة كالبرق والرعد. إنما يواجهنا بصفة المتكلّم "أنا" الَّذي يملك الإرادة، وينطق بلغة مَفْهُوْمة، ويريد أن يُقيم بينه وبيننا علاقةً مبنيَّة على الثقة. ويعني كلامه إلينا نعمة، والتفاته نحونا امْتِيَازاً عظيماً لنا.

قد يحاول الإِنْسَان أن يتنحّى عن الله الصَّمَد ويهرب منه، إلاَّ أنَّ القُدُّوْس يرانا أينَما نكون، ونعيش أمامه في كلّ حين. فيليق بنا أن نجيبه على كلامه. وترفعنا لفظة "أنا" الناطق بها الله سبحانه إلى مستوى ال-"أنتَ" لأنّ الله يخاطبنا ويتحدَّث إلينا. ويتأكّد لنا مِن عظمة هذا الوحي أنَّ الخالق السَّرْمَدِيّ، ومالك الكل، والديّان الأزلي يُكلّمنا نحن شخصيّاً. فلنُصغِ إليه باهتمامٍ، ونحفظ كلامَه بالحمد والسرور.


٠٢.٠٢ - وُجودُ الله

يُعلن الله جوهرَه لنا عندما يقول:·أنا هو . فكيف يدّعي الكفَّار أنّه لا يوجد إله؟ تتقوّض كل العَقَائِد الإلحادية أمام شهادة الله هذه نهائياً، حيث تظل لفظة "أنا هو" أساس وجودنا. الله كائنٌ. وهو الحقيقة كذلك. كلّ شيء يزول، أما هو فيدوم. ويتمرّد الإِنْسَان مِراراً وتكراراً على خالقه، كأنّه يُناطح بِقُرُون عناده جبَلاً عالياً. ولا تتوقّف الحقيقة على ما يقوله البشر عن الله، أو ما يكتبه العُلَمَاء عنه، إنّما هو هو الحقّ، مالئ الوجود. لقد أنكر بعضهم في زمن الملك داود، قبل ثلاثة آلاف سنة، حقيقة وجود الله، وادّعوا أنَّه لا يوجد إلهٌ. (مزمور ١٤: ١-٣). فدعاهم النبي أغبياء فاسدين، لأنّهم تجاهلوا الواقع، وأهملوا ذاك الَّذي يحفظ الكون ويديره، وعاش الملحدون بفَحْشَائهِم دون ضمير.

تُزيل شهادة الله لنفسه بنفسه أيضاً الأساسَ الَّذي بُنيَت عليه رؤية بوذا الدِّيْنِيَّة. فليست "النِّرفانا" الَّتي تقوم على إنكار الذات وإماتة الشَّهوات إلى حد انحلال الذّات في اللاشيء هي هدف العالم، بل إنَّ الهدف هو الله نفسه. هو حيٌّ ويشهد لنا "أنا هو". فيعطي وجوده معنىً لحياتنا ورجاءً لأهدافنا.

وإنَّ شهادة الله هذه تُنْزِلُ أيضاً بجميع المذاهب المادِّية وصِيَغها ضربةً قاضيةً. فكلّ مَنْ يُنكر وجود الرُّوح، ويعلّم أنَّ المادِّية هي سرّ الوجود، هو قصير النَّظر، ويشبه حجراً لا يستطيع أن يتبع العصفور الَّذي يحلّق في الفضاء. الله حيّ وهو يكلِّمُنا، ويكلِّم حتَّى المادِّي والملحد والشُّيُوْعِيّ ليفتح كلُّ واحدٍ منهم أذنَيه لِسَماع كلمته فيصبح حكيماً. ولكن مَن أقفل أذنيه وقلبه تجاه كلام الله يشبه أعمى يدّعي عدَمَ وجود الشَّمس لأنَّه لا يراها.


٠٣.٠٢ - مَنْ هو الرَّبّ؟

لقد أعلن الله لموسى:"أنا الرّبّ": وهذه العبارة تُقرأ باللّغة العبرانية "أهْيَهِ الَّذي أهْيَهِ" (سفر الخروج ٣: ١٤) الَّتي نُقلت إلى اللّغة العربية "الرَّبّ". ويَعني هذا الاسم: الرَّبّ هو هو لا ولن يتغيّر. هو ثابتٌ كما هو دائماً وأبداً. ويمنح عدم تغيّره أساساً لإيماننا وركناً لخلاصنا. الرَّبّ يبقى أميناً لنا نحن محدودي الفكر والمذنبين الهالكين. ويحقُّ لنا لأجل أمانته أن نعود إليه. فثباته يُعطي كلمتَه مفعولاً. وحتَّى تجاه زوال العالم يُعزِّينا الرَّبّ: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (متَّى ٢٤: ٣٥).٠

يشمل الرَّبّ في سموّه الكلّ، وهو العليم البصير والخبير الحكيم. وإذا أُغلِقَت الأبواب في وجوهنا يجد لنا مَنفذاً للنَّجاة. ويَفهم أشواقنا وأَفْكَارنا مِن بعيد. لا يريد أن نرتمي أمامه مرتاعين بخوف، بل يخلق فينا رجاءً وثقةً به، ويخاطبنا شَخصيّاً لنرفع عُيوننا إليه شاكرين. ويريد أن يكون سيِّد حياتنا. ليت أحداً لا يخبئ وجهَه عن ربِّه، لأنّه ينتظر مِنّا جَواباً. إنَّ عودة كل تائب إلى خالقه هي جواب المخلوق الحتمي لاسْتِعْلاَن الرَّبّ الرَّحِيْم الرؤوف.

وعندما يقول الله: "أنا الرَّبّ" يوضح بذلك أيضاً: "أنا هو الرَّبّ الوحيد"، لا أرباب سواي. كلّ الأَرْوَاح والآلهة الأخرى هي أباطيل عديمة.

وفي عصرنا الحاضر، حيث تشرع الأَرْوَاح والتَّعَالِيْم السرية في تكتّل للأديان الحَدِيْثة، يتحرّر حتَّى المقيّدون بالأبالسة بواسطة نداء الله، واثقين بالرَّبّ الحَقِيْقِيّ الوحيد. لقد انتهت موجة التجرّد مِن الإيمان بالغَيب، ويظهر اليوم ردّ فعل التطرف في النظريّة الوجودية في رجوع الجَمَاهِيْر إلى العرّافين، وجلسات الاِتِّصَال بالأَرْوَاح، وحدوث السحر حتَّى على شاشة التلفزيون والمجلات العامّة. إنّما كلّ مَنْ يبلغه نداء الرَّبّ الحي شخصياً ينبغي أن يقرر ويختار أحد الطريقين، إِمّا أن يقبل الرَّبّ كالمرجع الوحيد أو يرفضه ويسقط فريسة للأَرْوَاح النَّجسة.

مَن اطلّع على الإِنْجِيْل يُدرك أنَّ المَسِيْح يَسُوْع ضمّ افتتاحية الوَصَايَا العَشْر هذه إلى شهاداته الخاصَّة القائلة: "إني أنا هو" وأضاف إليها فحوى رحيماً وعطوفاً. وأثبت يَسُوْع بهذه الآيات أنّه الرَّبّ، قد سبق وبشّر به الملاكُ الرُّعاةَ في حقول بيت لحم. وعمَّق يَسُوْع هذه الشهادة حين قال: "أنا هو خبز الحَيَاة". "أنا هو نور العالم". أنا هو الباب". "أنا هو الطريق والحقّ والحَيَاة"، "أنا هو الراعي الصالح والكرمة الحَقِيْقِيّة". وقال يَسُوْع أيضاً: "إني ملك". "أنا البداية والنهاية". ومنذ ذلك الحين شهد أتباعه بلا توانٍ قائلين: "يَسُوْع هو الرَّبّ"، الَّذي لا يتغيّر، ويُنجِّينا مِن كلّ إثم. وقد برهن عن مكانته وسلطانه عند قيامته مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. ومنذ ذلك الحين اتخذت مقدّمة الوَصَايَا العَشْر رنيناً مؤاسياً بقوله: "أنا هو الرَّبّ".

لم يكن موسى يعرف بعد شيئاً عن تجسّد ربّه الآتي، ولكنّه قبل ولادة يَسُوْع بألف وثلاثمائة وخمسين سنة تلقّى كلمات الاسْتِعْلاَن الأساسيَّة الَّتي بها عرّف الرَّبّ نفسَه بنفسه قائلاً: "أنا الرَّبّ إلهك".


٠٤.٠٢ - مَنْ هو الله؟

يدعو الرَّبّ نفسَه في شهادته "إلوهيم" في اللّغة العبرية، و"الله" في العربية. ويمكن تحليل العبارتَين بجملتَين. وفي هذه الحالة تعني "إلوهيم =·أَل - إيل – هم" بينما تعني "الله =·أَل - إيل – هو". ومِن المعلوم أنَّ "أَل" في كلا الحالتين "أَل التعريف". وإنَّ كلمة "إيل" هي اسم الله الأصلي في الحضارة السَّاميَّة، وتعني "قوَّة وقدرة". وكان يَسُوْع يُعلن هذا المعنى الجوهري للاسم "إيل" وأثبته حين شهد أمام المجلس الأعلى وقال: "مِن الآن تُبصرون ابن الإِنْسَان جالساً عن يمين القوَّة" (متَّى ٢٦: ٦٤). أمَّا الكلمتان "هم وهو" فهما ضميران في محلّ خبر لمبتدأ، وتدل كلمة "هم" في اسم ·"إلوهيم أو اللهمَّ" بالعبرية على إمكانية الجمع، بينما تدلّ كلمة "هو" في الاسم العربي على مجرَّد المفرد، ويستبعد إمكانية وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس مِن أوّل الأمر.

فالرَّبّ الأزلي الأبدي إذاً ليس العليم الحكيم الموجود في كلّ أوانٍ ومكانٍ فحسب، بل القدير أيضاً هو القوَّة البنّاءة الوحيدة في العالم. لقد خلق الكون بكلمته المقتدرة مِن اللاشيء. وهو يحتمل الكلّ بصبره المقدَّس. ليس ربُّنا إلهاً مدمّراً قَهَّاراً يُضِلّ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء (فاطر ٣٥: ٨ والمدَّثر ٧٤: ٣١). إنّما إلهنا "يريد أن جميع النَّاس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبلون" (رسالة بُوْلُس الأُوْلَى إلى تِيْمُوْثَاوُس ٢: ٤).٠

هنالك أناسٌ في العَهْد القَدِيْم َوصََلوا أسماءَهم وأسماءَ بلدهم بالاسم "إيل" وسمّوا أَوْلاَدهم صموئيل، إيليَّا، أليعازر، دانيال، وسموا مدنهم وسهولهم بيت إيل، يزرعيل وإسرائيل، وأرادوا بذلك أن يربطوا أنفسَهم ربطاً وثيقاً بالقُوَّة الَّتي تحمل العالمين.

وجاء هذا الارتباط بين الله والنَّاس في العَهْد الجَدِيْد بطريقة فريدة في نوعها، إذ وعدَ المَسِيْح أتباعه: "ستنالون قوَّةً متى حلّ الرُّوْح القُدُس عليكم" (أَعْمَال الرُّسُل ١: ٨) فالله لا يبقى بعيداً عن المذنبين بل يطهّرهم ويقدّسهم حتَّى يسكن فيهم.

إنَّ ربَّنا يَسُوْع المَسِيْح هو القويّ الَّذي دُفِع إليه كلُّ سلطان في السماء وعلى الأرض. فقوَّة القنابل الذريّة والهيدروجينية المدمّرة هي كلا شيء أمام ذي القوَّة الأصلية، الَّذي ليس لسلطانه نهايةٌ.


٠٥.٠٢ - مَن هو الله في الإسلام؟

قادَت معرفةُ القدير في الإسلام إلى النِّداء "الله أكبر". ففي تفضيل المنطق الديني ينظر المسلم إلى الله بصفته "أجمل وأقوى وأحكم مِن الكل". وبهذا يبقى الله في الإسلام مستحيلاً بلوغه مِن قِبَل عِباده، وأعظم مِن أَنْ يُدركه العقل البشري. فالله في الإسلام هو البعيد المجهول، وكل فكر عنه ناقص وخطأ. لا يَقدر الإِنْسَان أن يتصوّر الصمد دون أن يخافه ويعبده في صفوف العابدين. لقد حاول الصوفيون أن يُقيموا جسور الرجاء الَّتي تؤدّي إلى العظيم البعيد، ولكن القُرْآن نفسه ينسف محاولات التقارب هذه بأَفْكَاره البدوية.

ويظل الله في الإسلام غيرَ منظور، لا يرتبط بالمُسْلِمِيْن بأيِّ عَهْدٍ أو ميثاق غميظ. ولم يتوّسط مُحَمَّد بين الله والمُسْلِمِيْن لإقامة عهد جديد بينهم، بل أمر الجميع بأن يخضعوا لربّهم دون قيد أو شرط. لذلك لم يُدرك المُسْلِمُون الله في جوهره. ونتيجةً لذلك لا يحصلون على معرفة خطاياهم، ولا على اختبار النعمة اختباراً واقعياً. فليس شعار الإسلام الشُّكْر للمخلّص الَّذي خلّصهم مِن الخطايا، ولا الحمد للنَّجاة مِن الدَّيْنُونَة، بل العبادة للجبَّار البعيد، كارتماء العبيد عِند قدمَي سيِّدهم وحاكمهم. وإنَّ الحافز في اتباع مُحَمَّد هو تعظيم الله المَخُوْف وليس تقديس حياتهم الخاصَّة شُكراً للمُنجِّي الَّذي قد نجَّاهم مجاناً. لذلك يظل المسلم مقيَّداً بعبادته الشكلية، ومرتبطاً بتقاليد الطقوس الرَّهيبة.

أمَّا الرَّبّ الحَقِيْقِيّ فلم يبقَ بعيداً عن خلائقه، بل اقترب مِنَّا، وقطَع عهداً معَنا نحن بني آدم، إذ يقول: "أنا الرَّبّ إلهك".


٠٦.٠٢ - العَهْد مَع الله

يُشير الضَّمير المتَّصل "ك" في كلمة "إلهك" إلى الملكية، ويَعني أنَّ الله يُقدِّم لنا نفسه لنملكه، ونثق به كما يثق الطفل بوالده. وينحني الرَّبّ القدير لنا نحن الثائرين النجسين وينادينا قائلاً: أنا خاصَّتكم. ألا تعودون إليّ، وتسلّمون أنفسكم خاصة لي إلى الأبد؟

تَشهد افتتاحيةُ الوَصَايَا العَشْر بِقَطْع العَهْد بين الله والنّاس. وهذا الميثاق الأبدي هو عَهدٌ مِن جانب واحد قطعه الله وحده لنا. ويؤكِّد لنا الرَّبّ فيه حضوره بيننا ومحبّته لنا، وينتظر مِنَّا أن نتجاوب وجوده العميم بالإيمان والرَّجاء والمَحَبَّة.

إنَّ تأكيد قَطْع العَهْد مِن جانب الله القُدُّوْس إلى جانب المذنبين يضمن لهم في الوقت نفسه عفوه وغفرانه وخلاصه وحمايته وبركته. فإنْ كان الُله معنا فمَن علينا؟ (رومية ٨: ٣١)، ويُشجِّعنا وعد الله بحضوره على الثقة بأنّه يبقى معَنا ويعمل بواسطتنا.

لا تُلغي خطيئة الإِنْسَان أمانةَ الله. وكان على القُدُّوْس حتماً مقضيّاً أن يدين على كلّ إثم مهما صغر، لأنَّ عدله المُنَزَّه عَن كلّ رشوة يتطلّب إدانة كل ظلم. ولكنَّ محبَّته الأزلية رَفعَتْ بالمَسِيْح ذُنوبَ مَن دخلوا معه في العَهْد، واحتَملَت القصاصَ بسبب ظلمهم. فموت يَسُوْع النيابي عنَّا هو الحلّ الشرعي والضمان الوحيد لسريان مفعول عهد الله معنا. لقد أصبح الصَّلِيْب العلامة البارزة لاستمرارية عهد النعمة.


٠٧.٠٢ - الله أبونا

إنَّ ابتعاد الإِنْسَان عن الله انتهى تماماً بولادة المَسِيْح. لقد ظهر الله في الجسد، فلم يبق أتباعه فيما بعد عبيداً، إذ حرّرهم يَسُوْع مِن عبودية الخَطِيْئَة وقيود الشَّيْطَان ومرض الموت وحتَّى مِن دينونة الله. لقد سفك دمه كفَّارةً لإطلاق سراحنا. وكلّ مَنْ آمن بالمَسِيْح طهّره الله تطهيراً، وتبنّاه حقّ البنوّة، وقبِله ابناً أو ابنةً له. فبالمَسِيْح صار الله أبانا شرعياً وروحياً. وهو يؤكِّد لنا ذلك، حتَّى ولو اقترفنا جرماً فادحاً: "أنا الرَّبّ أبوك الأزلي".

ويهب الله أبو ربنا يَسُوْع المَسِيْح، كلَّ مَنْ يحبّ المَصْلُوْب ويرتبط بالمُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، قوَّةَ الرُّوْح القُدُس الَّذي ينبثق منه ويتمركز في قلوبنا. وهكذا يحمل المُؤْمِنُون بالمَسِيْح في فؤادهم، كمولودين ثانيةً، حياة أبيهم السَّمَاوِيّ وطبيعته، وليسوا فيما بعد تحت نير اليأس، ولا في قبضة الموت الأبدي. فبالمَسِيْح ارتبط الله بنا ارتباطاً وثيقاً، واتّخذ له مسكناً فينا. هو أبونا ونحن أَوْلاَده. نخصّه وهو يخصّنا. وقد تم هذا العَهْد الجَدِيْد لأجل موت يَسُوْع النيابي عنا. ومنذ ذلك الحين يختبر المَسِيْحي المؤمن اختبار الاِتِّصَال الشَّخصي بالله. فليس دعاؤنا دعاءً نصرخ به إلى الفضاء المجهول، إنّما صلاتنا هي مكالمةٌ مع الله بِشُكرٍ واعترافٍ وطَلبٍ وابتهالٍ. ويُصغي أبونا إلينا باهتمام. ونجد في أبُوّته مأمَناً أميناً. وهو يشمُلنا ويقينا في رداء بِرّه. لا يعيش المَسِيْحِيُّون الحَقِيْقِيّون في ابتعادٍ عَن الله كالمُسْلِمِيْن، ولا يعبدون كالهندوس آلهةً كثيرةً لا خلاص فيها، وكذلك لا يخافون كالبوذيين مِن اللاشيء الرهيب؛ فالله القُدُّوْس يرتبط بهم بفضل محبّته، ليعيشوا في حضرته ويتغيروا إلى شبهه. لا يريد أبونا السَّمَاوِيّ أن يتركنا في الحالة السيئة بل أن يُنقذنا ويُجدِّدنا ويُربِّينا، كما قال: "وتكونون قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (اللاَّوِيِّيْن ١١: ٤٥). وليست الشركة مع الله إيماناً عقلياً فحسب، بل ينجم عنها تغييٌر أخلاقيٌّ جذريٌّ. فكلّ مَن يعيش الله معه يتغيّر في جوهره، لأنَّ الله الأزلي قرَّر أن يرفعنا إلى مستواه. ويشاء أبونا أن نصبح كما هو. وقد فسّر يَسُوْع هذا القَصد الإلهي بقوله: "كونوا أنتم كاملين كما أنَّ أباكم الَّذي في السَّماوات هو كاملٌ" (متَّى ٥: ٤٨). فالوَصَايَا العَشْر هي مرحلةٌ مِن مراحل تغييرنا مِن خلائق ضالة إلى سيرة أَوْلاَد الله. وهي حواجز الله الَّتي تَقِينا بِفَضْل نعمته مِن التدهور في الوِهَاد الَّتي تهدِّد حياتنا.

ربّما شعر أحدٌ بأن إتمام وصية المَسِيْح هذه مستحيل. فكيف يقدر الإِنْسَان أن يكون كاملاً كما أن الله هو كامل؟ أليس هذا الادِّعاء إعادةً لتجربة الأبوَين الأوَّلَين في الفِرْدَوْس، حين همس الوسواس الخنّاس في أذنهما: وتكونان كالله؟ أجَل، لا يستطيع الإِنْسَان أن يخلِّص ويربي نفسه بنفسه ولا أن يصبح صالحاً بجهده الخاص. فكلّ تقديس ذاتي يقود إلى التكلف والتصنع ويصبح قانوناً مُلزماً للإنسان. أمَّا تقديسنا الحَقِيْقِيّ فهو عمل أبينا السَّمَاوِيّ فينا. هو يقودنا في سُبل بِرِّه، ويدعونا يَوْمِيّاً إلى إنكار الذات، ويمنح نفوسنا قوَّة أزلية للتغلّب على الشر فينا، ويحثّنا على قراءة كلمته والعمل بموجبها، ويمنحنا محبّته فيجعل مِن الأنانيين خُدَّاماً ورُعاةً. وتؤدِّي مواهب أبينا الرُّوْحِيَّة إلى نتيجةٍ ظاهرةٍ في أَوْلاَده المطيعين؛ حتَّى إنَّ مُحَمَّد اعترف بذلك حين قال عن المَسِيْحِيِّيْن الحَقِيْقِيّين إِنَّهُم لا يستكبرون، وإِنَّ في قلوبهم رأفة ورحمة (المائدة ٥: ٨٢ والحديد ٥٧: ٢٧).٠


٠٨.٠٢ - الخَلاصُ المُتَمَّمُ

بعدما أعلن الله ذاته لنا وعرَّفنا بنفسه، وضّح خطَّة خلاصه لنا. وقصد الله أن يحرّرنا من عبودية الخَطِيْئَة وسلطتها. وأوضح بالجملة الثَّانِيَة من افتتاحية الوَصَايَا العَشْر أننا لا نقدر أن نحرّر أنفسنا بأنفسنا مِن قيود العبودية، إنما الله هو الَّذي يفعل ذلك بفَرْطِ محبَّته في طاعة إيماننا. لقد حرّر اللهُ، بوساطة موسى، شعبَه مِن العبودية المريرة، وقطع معهم عهداً أبدياً، ليس لأجل صلاحهم بل لأجل نعمة اختياره. ولذلك يقول:

"أنا الرَّبّ إلهك الَّذي أخرجك مِن أرض مصر مِن بيت العبودية". لقد هاجرت قبيلة بني يعقوب قبل ٣٦٠٠ سنة تقريباً مِن سلسلة الجبال الغربية الصخرية القاحلة لوادي الأردن، حينما استمرّ الجدب والقحط هناك مدّة طويلة. وقادهم الجوع إلى وادي النيل الخصيب، في شمال مصر، الَّذي يبعد نحو ٣٠٠ كيلومتراً عن أرضهم. وكان هناك ما يكفيهم مِن الخبز، وقد نال العيشُ الرَّغيدُ هناك إعجابَهُم. كان طَمي فيضان النيل السنوي بسبب السيول المنحدرة مِن جبال إثيوبيا يُخْصِبُ الأراضي المحيطة بالنهر إخْصَاباً لا مثيل له. فتكاثر بنو يعقوب، وأصبحوا شَعباً صغيراً كاد يهدِّد كيان سكَّان مصر. لذلك استعبد الفراعنةُ العمَّالَ العبرانيين الأجانب وعاملوهم بقسوة. وزادت أعمالُ السخرة قَسوةً يوماً بَعد يوم. فتذكَّر بعضُهم إلهَ آبائهم، وصرخوا إليه طالِبين النَّجدة. كانوا قد نسوا إلههم. حين كانوا يعيشون في الرفاهية، فأعادهم الفقر والعوز إلى خالقهم ومخلِّصهم. وعندها أرسل الرَّبّ عبده موسى الَّذي أعدّه لتأدية دعوته في قصر فرعون وفي البرية. ظهر الرَّبّ لموسى في عُلّيقَة تتوقّد بالنار ولا تحترق، وأعلن له اسمه: "أهيَه" ومعناه ·"أنا هو الَّذي أنا هو. لا أتغيّر بل أثبُت أميناً لكم". "تَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ" (إِرْمِيَا ٢٩: ١٣).٠

أرسل الرَّبّ موسى إلى فرعون العظيم، وهو مُعتَبَرٌ إلهاً بين الآلهة المصرية، ليطلب منه إطلاق سراح العمَّال الأجانب المستعبَدين. ولكنَّ الحاكم في وادي النيل لم يشَأ إخلاء سبيل العبيد الرَّخيصين، بل قسّى قلبه أكثر فأكثر تجاه كلمة الرَّبّ. وما أطلق فرعون سراح بني إبراهيم إلاّ بعد أن أرغمه الرَّبّ على ذلك بواسطة الضربات والمصائب المتزايدة. لقد خرج المدعوُّون أخيراً مِن أرض مصر بدون صلاحهم، بل بطاعة الإيمان فقط، وليست في أيديهم أسلحةٌ فتاكة. وهرب المحرَّرون ليلاً إلى الصحراء تحت حماية دم حَمَل الفصح الَّذي ذُبح. لكل عَائِلَة مِن عائلات الشعب حَمَلٌ واحد. وكان اجتيازهم البحرَ الأحمر، وهلاكُ أعدائهم المطارِدين في مياه البحر ختماً إلهياً لأعجوبة نجاتهم. ويمكن اليوم مشاهدة مومياء فرعون المطارِد، وفي رئته مِن نبات البحر الأحمر، في المتحف المصري بالقاهرة.

يدَّعي المُسْلِمُون أنَّ انتصارهم على أعدائهم يعود إلى تدخُّل الله في القتال. وقد انتصر مُحَمَّد على أهل مكّة في معركة "بدر" ليس بأعجوبة الله فحسب، بل بقوَّة سلاحهم أيضاً. وضحّى أنصاره بكلّ ما لديهم مِن إمكانيات، فانتصروا على أعدائهم المتفوّقين عدداً وعِدّة. وما كان يُسمّى عند موسى تحريراً بأعجوبة الله، ونصراً بدون قتال وسفك دم، يُعرَف في الإسلام "بالجِهَاد" المفروض على الجميع. ولذلك نقرأ المبدأ: "لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم. وما رميت إذ رميت، ولكنَّ الله رمى" (الأنفال ٨: ١٧).

بعد ما حرَّر الرَّبّ شعبه مِن العبودية في مصر بأعجوبة فائقة، قاد الهاربين إلى البرِّية المتوهّجة بلهيب النار. وأراد هناك أن يقطع معهم عهداً أبديا، ليتقدَّسوا في الشركة معه كما هو قدُّوس. ودعاهم ليُصبحوا شعباً كهنوتيّاً يؤدون خدمة المصالحة أمام عرش الله لجميع الناس. وكانت الوَصَايَا العَشْر اللّبَّ في كتاب العَهْد، والقاعدةَ الحتمية للشركة مع ربهم. وقد تربّع الله على العرش فوق لوحَي شريعته اللَّذَين حُفظا في تابوت العَهْد.


٠٩.٠٢ - الخلاص في العَهْد الجَدِيْد هو هدف الوَصَايَا العَشْر

عندما نتأمّل اليوم، وبعد مرور ٣٣٠٠ سنة على تحرير بني يعقوب مِن العبودية في انتصار الله العجيب على أعدائهم، ونُقارنه بخلاصه المتمَّم بالمَسِيْح في العَهْد الجَدِيْد، نوجِز فاتحةَ الوَصَايَا العَشْر بما يلي:

أنا الرَّبّ أبوك
الَّذي فداك فِداءً أبديّاً.

منذ جاء يَسُوْع إلى العالم، وحَمل كحَمَل اللهِ خطايا كلّ إنسان على الصَّلِيْب، نُعلن رحمة الله لجميع الشعوب، ونُنادي بيَسُوْع رباً ومخلصاً للبشر. لقد كسر يَسُوْع بآلامه وموته قيود الخَطِيْئَة، وغلب سلطة الشَّيْطَان، وأنقذنا مِن حبال الموت، وحرَّرنا مِن غضب الله، واحتمل دينونته العتيدة عنَّا. وقد تمّ خلاصنا الكامل والشامل بالمَسِيْح. فيليق بنا أن نشكره ونقبل فداءه بالإيمان.

إنَّ خلاص الله جاهزٌ لكل إنسان ومُعَدٌّ للجميع. لقد خلَّصنا الله بأسلوب عجيب ودون سلاح. أجَل! قد سفك دماً، ولكن ليس دم أعدائه، بل دم ابنه الوحيد. ومِن ذلك الحين لا نضطر بعد أن نُنقذ أنفسَنا بأنفسنا. فليسَتِ الوَصَايَا العَشْر طَريقاً إلى الخلاص الذاتي. بل بالعكس، هي مُرشدة المخلَّصين لتقديم الشُّكْر على خلاصهم الَّذي تم مجاناً. كل مَن يظن أنّه يقدر أن يخلّص نفسَه مِن الخَطِيْئَة وإِبْلِيْس والموت وغضب الله بقدرته الذاتية واجتهاده الخاص يخطئ ويورّط نفسَه أكثر فأكثر في شباكها ويسلّم نفسه إلى قيودها.

ليست الوَصَايَا العَشْر شريعةً تسوقنا إلى التَّقديس الذاتي وتحثّنا عليه، بل إنَّها تقودنا في سُبُل الشُّكْر إلى طاعة الإيمان فِيْ سَبِيْلِ الفرح لأجل الخلاص المتمَّم. وندرك قصد الشَّرِيْعَة المُوْسَوِيَّة إدراكاً صحيحاً متى نمجّد الآب السَّمَاوِيّ مع حَمَل اللهِ يَسُوْع في قوَّة الرُّوْح القُدُس. لا يريد الله أن يديننا أو يلعننا أو يجعل مِن الوَصَايَا العَشْر حملاً ثقيلاً على أعناقنا يجرّنا بها إلى أسفل. كلا، لقد سبق وخطَّط ربُّنا لخلاصنا، وقرّره قبل إعلان الشَّرِيْعَة بزمن طويل. أعطى شريعته ليقود المخلّصين إلى التوبة، ويحوّلهم إلى صورته، ويُغيِّر تورّطهم في الإثم إلى ثباتٍ في القَدَاسَة، ويغلب إرادتهم الثورية إلى إرادة مسالمة بوداعة روحه القُدُّوْس. فهدف الشَّرِيْعَة هو شركتنا مع الله لا هلاكنا.

وربّما يَفهم الوَصَايَا العَشْر فهماً صحيحاً الَّذي اختبر العبودية حقاً،إذ لم تكن له حرِّيةٌ البتّة، بل كان عليه أن يقوم بأشغال السخرة الشاقة، مهما كانت حالته، صحيحاً أم مريضاً، شاباً أم كبيراً في السنّ. وكانت أعمال السخرة هذه كثيراً ما تجري في ظروف إقليمية لا تُطاق. وكان المسخَّر يَعمل بعيداً عن عائلته وتحت رحمة المشرِفين على العمل القساة الظالمين. وكان عليه أن يشتغل كمجهول يحمل رقماً فقط مع جماعة مِن أمثاله. لم يكن هنالك مَن يهتمّ به أو مَن يحبّه، بل كان كلّ واحد يستغله.

لقد حرَّر الله شعباً كاملاً مِن مثل هذا الشقاء والألم. لهذا السَّبب تُعتبر الوَصَايَا العَشْر إرشاداً لحياة المحرَّرين الَّذين يتعلَّمون أن يتصرّفوا بتعقّل في حُرِّيتهم. تتربّص في الحرّية تجارب. ومَن يعش بدون الله يصبح عاجلاً عبدَ ميوله الغريزية والخَطِيْئَة. خَلق الله الإِنْسَان على صورته، وبدون الله لا يقدر الإِنْسَان أن يحيا حياةً سليمةً ولو دقيقة واحدة. لا وجود للحرّية التامَّة بدون الله.

كلّ مَن يعيش في الخَطِيْئَة فهو عبدٌ لخطيئته، وتصبح الأحلام والنزوات والأَكَاذِيْب والكسل والاغتصاب الجنسي والسرقة والحقد وتناول المخدرات سجناً ذا قضبان حديدية للجسد والنفس. ويتألم الكَثِيْرُوْن مِن قيود غير منظورة مِن الكحول والنيكوتين والإدمان والأَكَاذِيْب المستمرّة، بقَطْع النَّظر عن الارْتِبَاطَات المتعددة بكشف الغَيب والأَرْوَاح النجسة. فالشَّيْطَان يعزف على أعصابهم كأنّه يعزف على أصابع البيانو "أوراتوريو" الجحيم. أمَّا يَسُوْع فيحرّر كلّ مَن يؤمن به مِن هذه القُيُوْد، ويمنحه حرية أَوْلاَد الله. المَسِيْح هو المنتصر الوحيد، والرَّبّ المنجّي، والطَّبيب الحكيم، والراعي الصالح والصَّديق الأمين. لا يترك أحَداً يأتي إليه دون إسداء النَّصيحة وتقديم المساعدة الحَقَّة له.

إنَّ الوَصَايَا العَشْر هي الحاجز الواقي للمُحَرَّرِين بالنّعمة. لقد أصبح الله أباهم، والمَسِيْح مخلّصهم وربّهم، والرُّوْح القُدُس معزّيهم وقوّتهم. فعرفوا الله الآب والابن والرُّوْح القُدُس إلهاً واحداً، واختبروا النَّجاة به شخصيّاً بالشُّكْر والاطمئنان. فأصبحَت الوَصَايَا العَشْر علامة إرشاد الله لهم على طريق ترنيمة الحمد عَبْرَ صحراء هذه الحَيَاة (مزمور ١١٩: ٥٤).٠

www.Waters-of-Life.net

Page last modified on March 11, 2014, at 10:03 AM | powered by PmWiki (pmwiki-2.3.3)